نجيب ايوب عضو مبتدئ
عدد الرسائل : 56 العمر : 59 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 30/08/2009
| موضوع: رهــان المـثـقـف الجمعة سبتمبر 11, 2009 10:00 am | |
| رهان المثقفمع خالص التحيات : نجيب ايوبهو رهان خسارته ظافــرة ،ولا يقبل القياس على أي رهانات أخرى .خلاصـة الحكاية أن ثريا عقد رهانآ مع مثقف شاب ، على أن يبقى في حجرة تملأ جدرانها رفوف الكتب لمدة خمسة عشر عامآ ، بحيث لا يغادر الحجرة على الإطلاق ، وإن حاول فتح الباب أو النافذة سيخسر الثروة الكبيرة التي عقد حولها الرهان .......... وســرعان ما تحول الشاب إلى فأر قارض للورق كله ، ولكنه من طراز أخر ، فأر بشري ذكي وذو ذاكرة لا حدود لها . مر العام الأول : وكان قد قرأ مئات من الكتب التي ما كان يحلم بقرائتها لو بقيت حياته اليومية خارج تلك الغرفة . وهكذا مر العام الثاني والثالث والرابع والخامس حتى آخر ليلة من العام الخامس عشر ، وقبل أن تنتهي فترة الرهان بدقيقة واحدة فتح الباب وغادر الغرفة خاســرآ الرهان المالي ، مما أثــار دهشة الناس ، وفي مقدمتهم ذلك الرجل الثري الذي كان طرفآ أخر في الرهان . البعض رأوا فيه مجنونآ والأخرين تصوروا أنه مارس إنتحارآ من نوع مــا . فلم يكن ما تبقى أمامه سوى دقيقة واحدة ليصبح أثرى رجل في المدينة . ولم يخطر ببال أحد من هؤلاء أن الشاب قد تغير بعد أن قرأ كل تلك الكتب وتشرب كل تلك المعارف . لقد أراد أن يقول لمن راهنه أولا ومن ثم للعالم كله أنه كسب رهانآ آخر . وهو الكتب التي قرأها والمعرفة التي إكتسبها بحيث غيرت رأيه في العالم بل حتى في نفسه . وبقيت تلك القصة لزمن طويل إمثولة عن الرهان الخاســر بمحض إرادة صاحبه ، ولكن التفسير الأدق وغير المطروق في مثل هذه الحالات هو أن الثقافة تغير الإنسان وتنقله من حال إلى حال ، بحيث لا يعود هو الكائن القديم الذي لم يخطر بباله ذات يوم أن المعرفة إنقلاب في الوعي ، وكيمياء سحرية تحول الجحيم إلى فردوس . وعلق أحد ابرز المثقفين الأسيويين عن قراءته للقصة بعد رحيل مؤلفها قائلآ ... إن رهان المال والمعرفة لا يختلف كثيرآ عن زواجهما الذي غالبآ ما ينتهي إلى الطلاق المبكر . لم يكن الإنسان في ذلك الوقت قد بلغ حد الفقر المادي والفراغ الروحي بحيث يعرض أعضاء ه للبيع في مزاد قطع الغيار البشرية . ولم يكن الملح قد فسـد ، ولو سئل الملايين من الناس في أيامنا هذه عن ذلك الرهان الظافر رغم خسارته لسخروا من الرجل الذي إستبدل ثروة طائلة بخمسة عشرة عام من المعرفة المتواصلة ، لأن المعايير إنقلبت والإنسان تحول إلى مطية لغرائزه بدلآ من أن يمتطيها ، وتحول ما كان فرويد يسميه التصعيد إلى تسفيل يعيد الآدمي الآف السنين إلى الوراء . بحيث نبتت له مخالب يخفيها في قفازات من الحرير وأنياب يضطر إلى عدم الإبتسام والتجهم الدائم لإخفائها . إن المعرفة قيد بقدر ما هي حرية ، ولكن الجهل بمختلف أنماطه قيد يحز الدماغ والقلب قبل المعصمين . ولا ندري ما الذي يمكن للإنسان أن يربحه في هذا العالم إذا خسر نفسه ، مع التحية نجيب ايوب | |
|